الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
هذه المدرسة بجوار المدرسة الأشرفية بالقرب من المشهد النفيسيّ فيما بين القاهرة ومصر موضعها من جملة ما كان بستانًا أنشأها الملك المنصورقلاون على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ في سنة اثنتين وثمانين وستمائة برسم أمّ الملك الصالح علاء الدين علي بن الملك المنصور قلاون فلما كمل بناؤها نزل إليها الملك المنصور ومعه ابنه الصالح عليّ وتصدق عند قبرها بمال جزيل ورتب لها وقفًا حسنًا على قرّاء وفقهاء. وغير ذلك. وكانت وفاتها في سادس عشر شوال سنة ثلاث وثمانين وستمائة. مدرسة ابن عرّام هذه المدرسة بجوار جامع الأمير حسين بحكر جوهر النوبيّ من بر الخليج الغربيّ خارج القاهرة أنشأها الأمير صلاح الدين خليل بنعرّام وكان من فضلاء الناس تولى نيابة الإسكندرية وكتب تاريخًا وشارك في علوم فلما قُتل الأمير بركة بسجن الإسكندرية ثارت مماليكه على الأمير الكبير برقوق حنقًا لقتله فأنكر الأمير برقوق قتله وبعث الأمير يونس النوروزيّ دواداره لكشف ذلك فنبش عنه قبره فإذا فيه ضربات عدة إحداهنّ في رأسه فاتهم ابن عرّام بقتله من غير إذن له في ذلك فأخرج بركة من قبره وكان بثيابه من غير غسل ولا كفن وغسله وكفنه وأحضر ابن عرّام معه فسجن بخزانة شمائل داخل باب زويلةمن القاهرة ثم عصر وأخرج يوم الخميس خامس عشر رجب سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة من خزانة شمائل وأمر به فسمّر عريان بعدما ضرب عند باب القلة بالمقارع ستة وثمانين بحضرة الأمير قطلودمر الخازندار والأمير مامور حاجب الحجاب فلما أنزل من القلعة وهو مسمر على الجمل أنشد: لكَ قلبي بِحِلِّة فدمبم لِمَ تَحُلهْ. لك من قلبي المكانُ فَلِمَ لاتحلُهْ. قال إنْ كنتَ مالكًا فليَ الأمرُ كله. وما هو إلاّ أن وقف بسوق الخيل تحت القلعة وإذا بمماليك بركة قد أكبت عليه تضربه بسيوفها حتى تقطع قطعًا وحز رأسه وعُلقَ على باب زويلة وتلاعبت أيديهم فأخذوا حدُ أذنه وأخذوا حد رجله واشترى آخر قطعة من لحمه ولاكها ثم جُمعَ ما وجد منه ودفن بمدرسته بدتْ أجزاءُ عرّام خليل مقطعةً من الضرب الثقيل. وأبدَتْ أبحُرُ الشِعْرِ المراثي محرّرةً بتقطيعِ االَخليل. المدرسة المحمودية هذه المدرسة بخط الموازنيين خارج باب زويلة تجاه دار القردمية يشبه أن موضعهاكان في القديم من جملة الحارة التي كانت تعرف بالمنصورية أنشأها الأمير جمال الدين محمود بن عليّ الأستادار في سنة سبع وتسعين وسبعمائة ورتب بها درسًاوعمل فيها خزانة كتب لا يُعرف اليوم بديار مصر ولا الشام مثلها وهي باقية إلى اليوم لا يخرج لأحد منها كتاب إلاّ أن يكون في المدرسة وبهذه الخزانة كتب الإسلام من كلّ فن وهذه المدرسة من أحسن مدارس مصر. محمود بن عليّ بن أصفر عينه الأمير جمال الدين الأستادار ولي شدّ باب رشيد بالإسكندرية مدّة وكانت واقعة الفرنج بها في سنة سبع وستين وسبعمائة وهو مشدّ فيقال إنّ ماله الذي وجد له حصله يومئذِ ثم إنه سار إلى القاهرة فلما كانت أيام الظاهر برقوق خدم أستادارًا عند الأمير سودون باق ثم استقرّ شادّ الدواوين إلى أن مات الأمير بهادر المنجكيّ أستادار السلطان فاستقرّ عوضًا عنه في وظيفة الأستادارية يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة سنة تسعين وسبعمائة ثم خُلع عليه في يوم الخميس خامسة واستقرّ مشير الدولة فصار يتحدث في دواوين السلطنة الثلاثة وهي الديوان المفرد الذي يتحدّث فيه الأستادار وديوان الوزارة ويعرف بالدولة وديوان الخاص المتعلق بنظرالخواص وعظم أمره ونفذت كلمته لتصرّفه في سائر أمور المملكة. فلما زالت دولة الملك الظاهر برقوق بحضور الأمير يلبغا الناصريّ نائب حلب في يوم الإثنين خامس جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بعساكر الشام إلى القاهرة واختفى الظاهر ثم أمسكه هرب هو وولده فنهبت دوره ثم إنه ظهر من الأستدار في يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة وقدّم للأمير يلبغا الناصريّ مالًا كثيرًا فقبض عليه وقيده وسجنه بقلعة الجبل وأقيم بدله في الأستادارية الأمير علاء الدين أقبغا الجوهريّ. فلما زالت دولة يلبغا الناصريّ بقيام الأمير منطاش عليه قُبض على أقبغا الجوهريّ فيمن قُبض عليه من الأمراء وأفرج عن الأمير محمود في يوم الإثنين ثامن شهر رمضان وألبسه قباءً مطرّزًا بذهب وأنزله إلى داره ثم قُبض عليه وسُجن بخزانة الخاص في يوم الأحد سادس عشر ذي الحجة في عدّة من الأمراء والمماليك عند عزم منطاش على السفر لحرب برقوق عند خروجه من الكرك ومسيره إلى دمشق فكانت جملة ما حمله الأمير محمود من الذهب العين للأمير يلبغا الناصريّ وللأمير منطاش ثمانية وخمسين قنطارًا من الذهب المصري منها ثمانية عشر قطنارًا في ليلة واحدة فلم يزل في الاعتقال إلى أن خرج المماليك مع الأمير بوطا في ليلة الخميس ثاني صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فخرج معهم وأقام بمنزله إلى أن عاد الملك الظاهر برقوق إلى المملكة في رابع عشر صفر فخلع عليه واستقرّ أستادار السلطان على عادته في يوم الاثنين تاسع عشري جمادى الأولى من السنة المذكورة عوضًا عن الأمير قرقماس الطشتمريّ بعد وفاته ثم خلع على ولده الأمير ناصر الدين محمد بن محمود في يوم الخميس ثاني عشري صفر سنة أربع وتسعين وسبعمائة واستقرّ نائب السلطنة بثغر الإسكندرية عوضًاعن الأمير ألطنبغا المعلم فقويت حرمة الأمير محمود ونفذت كلمته إلى يوم الاثنين حادي عشر رجب من السنة المذكورة فثار عليه المماليك السلطانية بسبب تأخر كسوتهم ورموه من أعلى القلعة بالحجارة وأحاطوا به وضربوه يريدون قتله لولا أن اللّه أغاثه بوصول الخبر إلى الأمير الكبير ايتمش وكان يسكن قريبًا من القلعة فركب بنفسه وساق حتى أدركه وفرّق عنه المماليك وسار به إلى منزله حتى سكنت الفتنة ثم شيعه إلى داره. فكانت هذه الواقعة مبدأ انحلال أمره فإن السلطان صرفه عن الأستادارية وولى الأمير الوزير ركن الدين عمر بن قايماز في يوم الخميس رابع عشرة وخلع على الأمير محمود قباء بطرز ذهب واستقرّ على أمرته ثم صُرف ابن قايماز عن الأستادارية وأعيد محمود في يوم الإثنين خامس عشر رمضان وأنعم على ابن قايماز بإمرة طلبخاناه فجدّد بثغر الإسكندرية دار ضرب عمل فيها فلوس ناقصة الوزن ومن حينئذِ اختل حال الفلوس بديار مصر. ثم لما خرج الملك الظاهر إلى البلاد الشامية في سنة ست وتسعين سار في ركابه ثم حضر إلى القاهرة في يوم الأربعاء سابع صفر سنة سبع وتسعين وسبعمائة قبل حضور السلطان وكان دخوله يومًا مشهودًا فلما عاد السلطان إلى قلعة الجبل حدث منه تغير على الأمير محمود في يوم السبت ثالث عشري ربيع الأوّل وهم بالإيقاع به فلما صار إلى داره بعث إليه الأمير علاء الدين عليّ بن الطبلاويّ يطلب منه خمسمائة ألف دينار وإن توقف يحيط به ويضربه بالمقارع فنزل إليه وقرّر الحال على مائة وخمسين ألف دينار فطلع على العادة إلى القلعة في يوم الإثنين خامس عشريه فسبه المماليك السلطانية ورجموه ثم إن السلطان غضب عليه وضربه في يوم الإثنين ثالث ربيع الآخر بسبب تأخر النفقة وأخذ أمره ينحل فولى السلطان الأمير صلاح الدين محمد ابن الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير تنكز أستادارية الأملاك السلطانية في يوم الإثنين خامس رجب وولى علاء الدين عليّ بن الطبلاويّ في رمضان التحدّث في دار الضرب بالقاهرة والإسكندرية والتحدّث في المتجر السلطانيّ فوقع بينه وبين الأمير محمود كلام كثير ورافعه ابن الطبلاويّ بحضرة السلطان وخرّج عليه من دار الضرب ستة آلاف درهم فضة فألزم السلطان محمودًا بحمل مائة وخمسين ألف دينار فحملها وخلع عليه عند تكميله حملها في يوم الأحد تاسع عشري رمضان وخلع أيضًا على ولده الأمير ناصر الدين وعلى كاتبه سعد الدين إبراهيم بن غراب الإسكندرانيّ وعلى الأمير علاء الدين عليّ بن الطبلاويّ ثم إن محمود أوعك بدنه فنزل إليه السلطان في يوم الإثنين ثالث عشر ذي القعدة يعوده فقدّم له عدة تقادم قبل بعضها وردّ بعضها وتحدّث الناس أنه استقلها. فلما كان يوم السبت سادس صفر سنة ثمان وتسعين بعث السلطان إلى الأمير محمود الطواشي شاهين الحسني فأخذ زوجتيه وكاتبه سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخذ مالًا وقماشًا على حمالين وصار بهما إلى القلعة هذا ومحمود مريض لازم الفراش ثم عاد من يومه وأخذ الأمير ناصر الدين محمد بن محمود وحمله إلى القلعة ثم نزل ابن غراب ومعه الأميرالي باي الخازندار في يوم الأحد سابعه وأخذا من ذخيرة بدار محمود خمسين ألف دينار وفي يوم الخميس حادي عشرة صرف محمود عن الأستادارية واستقرّ عوضه الأمير سيف الدين قطلوبك العلاءي أستادار الأمير الكبير ايتمش وقرّر سعد الدين بن غراب ناظر الديوان المفرد فاجتمع مع ابن الطبلاويّ على عداوة محمود والسعي في إهلاكه وسلم ابن محمود إلى ابن الطبلاويّ في تاسع عشر ربيع الأوّل ليستخلص منه مائة ألف دينار ونزل الطواشي صندل المنجكيّ والطواشي شاهين الحسني في ثالث عشرية ومعهما ابن الطبلاوي فأخذا من خربة خلف مدرسة محمود زيرين كبيرين وخمسة أزيار صغارًا وجد فيها ألف ألف درهم فضة فحملت إلى القلعة ووجد أيضًا بهذه الخربة جرّتان في إحداهما ستة آلاف دينار وفي الأخرى أربعة آلاف درهم فضة وخمسمائة درهم وقبض على مباشري محمود ومباشري ولده وعوقب محمود ثم أوقعت الحوطة على موجود محمود في يوم الخميس سابع جمادى الأولى ورسم عليه ابن الطبلاويّ في داره وأخذ مماليكه وأتباعه ولم يدع عنده غير ثلاث مماليك صغار وظهرت أموال محمود شيئًا بعد شيء ثم سلم إلى الأمير فرج شادّ الدواوين في خامس جمادى الآخرة فنقله إلى داره وعاقبه وعصره في ليلته ثم نقل في شعبان إلى دار ابن الطبلاويّ فضربه وسعطه وعصره فلم يعترف بشيء وحكى عنه أنه قال لو عرفت أني أعاقب ما اعترفت بشيء من المال وظهر منه في هذه المحنة ثبات. وجلد وصبر مع قوّة نفس وعدم خضوع حتى أنه كان يسب ابن الطبلاويّ إذا دخل إليه ولا يرفع له قدرًا ثم إن السلطان استدعاه إلى ما بين يديه يوم السبت أوّل صفر سنة تسع وتسعين وحضر سعد الدين بن غراب فشافهه بكل سوء ورافعه في وجهه حتى استغضب السلطان على محمود وأمر بمعاقبته حتى يموت فأنزل إلى بيت الأمير حسام الدين حسين ابن أخت الفرس شادّ الدواوين وكان أستادار محمود فلم يزل عنده في العقوبة إلى أن نُقل من داره إلى خزانة شمائل في ليلة الجمعة ثالث جمادى الأولى وهو مريض فمات بها في ليلة الأحد تاسع رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة ودفن من الغد بمدرسته وقد أناف على الستين سنة وكان كثير الصلاة والعبادة مواظبًا على قيام الليل إلاّ أنه كان شحيحًا مسيكًا شرهًا في الأموال رمى الناس منه في رماية البضائع بدواهٍ إذا نُسبت إلى ما حدث من بعده كانت عافية ونعمة وأكثر من ضرب الفلوس بديار مصر حتى فسد بكثرتها حال إقليم مصر وكان جملة ما حمل من ماله بعد نكبته هذه مائة قنطار ذهبًا وأربعين قنطارًا عنها ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار عينا وألف ألف درهم فضة وأخذ له من البضائع والغلال والقنود والأعسال ما قيمته ألف ألف درهم وأكثر.
هذه المدرسة بحارة حلب خارج القاهرة عند حمام قماري بناها الحكيم مهذب الدين محمد بن أبي الوحش المعروف بابن أبي حليقة تصغير حلقة رئيس الأطباء بديار مصر ولي رياسة الأطباء في حادي عشر رمضان سنة أربع وثمانين وستمائة واستقرّ مدرّس الطب بالمارستان المنصوري. المدرسة السعدية هذه المدرسة خارج القاهرة بقرب حدرة البقر على الشارع المسلوك فيه من حوض ابن هنس إلى الصليبة وهي فيما بين قلعة الجبل وبركة الفيل كان موضعها يُعرف بخط بستان سيف الإسلام وهي الآن في ظهر بيت قوصون المقابل لباب السلسلة من قلعة الجبل بناها الأمير شمس الدين سنقر السعديّ نقيب المماليك السلطانية في سنة خمس عشرة وسبعمائة وبنى بها أيضًا رباطًا للنساء وكان شديد الرغبة في العمائر محبًا للزراعة كثير المال ظاهر الغنى وهو الذي عمر القرية التي تعرف اليوم بالنحريرية من أعمال الغربية وكان إقطاعه ثم إنه أخرج من مصر بسبب نزاع وقع بينه وبين الأمير قوصون في أرض أخذها منه فسار إلى طرابلس وبها مات في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. المدرسة الطفجية هذه المدرسة بخط حدرة البقر أيضًا أنشأها الأمير سيف الدين طفجي الأشرفيّ ولها وقف جيد. طفجي: الأمير سيف الدين كان من جملة مماليك الملك الأشرف خليل بن قلاون ترقى في خدمته حتى صار من جملة أمراء ديار مصر فلما قُتل الملك الأشرف قام طفجي. في المماليك الأشرفية وحارب الأمير بيدرا المتولي لقتل الأشرف حتىأخذه وقّتله فلمّا أقيم الملك الناصر محمد بن قلاون في المملكة بعد قتل بيدرا صار طفجي من أكابر الأمراء واستمرعلى ذلك بعد خلع الملك الناصر بكتبغا مدّة أيامه إلى أن خُلع الملك العادل كتبغا وقام في سلطنة مصر الملك المنصور لاجين وولى مملوكه الأمير سيف الدين منكوتمر نيابة السلطنة بديار مصر فأخذ يواحش أمراء الدولة بسوء تصرّفه واتفق أن طفجي حج في سنة سبع وتسعين وستمائة فقرّر منكوتمر مع المنصور أنه إذا قدم من الحج يخرجه إلى طرابلس ويقبض على أخيه الأمير سيف الدين كرجي فعندما قدم طفجي من الحجاز في صفر سنة ثمان وتسعين وستمائة رسم له بنيابة طرابلس فثقل عليه ذلك وسعى بإخوته الأشرفية حتى أعفاه السلطان من السفر فسخط منكوتمر وأبى الإسفر طفجي وبعث إليه يلزمه بالسفر وكان لاجين منقادًا لمنكوتمر لا يخالفه في شيء فتواعد طفجي وكرجي مع جماعة من المماليك وقتلوا لاجين وتولى قتله كرجي وخرج فإذا طفجي في انتظاره على باب القلة من قلعة الجبل فسُرّ بذلك وأمر بإحضار مَنْ بالقلعة من الأمراء وكانوا حنيئذ يبيتون بالقلعة دائمًا وقَتَل منكوتمر في تلك الليلة وعزم على أنه يتسلطن ويقيم كرجي في نيابة السلطنة فخذله الأمراء. وكان الأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ أمير سلاح قد خرج في غزاة وقَرُبَ حضوره فاستمهلوه بما يريد إلى أن يحضر فأخر سلطنته وبقي الأمراء في كل يوم يحضرون معه في باب القلة ويجلس في مجلس النيابة والأمراء عن يمينه وشماله ويمدّ سماط السلطان بين يديه فلما حضر أمير سلاح بمن معه من الأمراء نزل طفجي والأمراء إلى لقائهم بعدما امتنع امتناعًا كثيرًا وترك كرجي يحفظ القلعة بمن معه من المماليك الأشرفية وقد نوى طفجي الشرّ للأمراء الذين قد خرج إلى لقائهم وعرف ذلك الأمراء المقيمون عنده في القلعة فاستعدوا له. وسار هو والأمراء إلى أن لقوا الأمير بكتاش ومعه من الأشرفية أربعمائة فارس تحفظه حتى يعود من اللقاء إلى القلعة فعندما وافاه بقبة النصر وتعانقا أعلمه بقتل السلطان فشقّ عليه وللوقت جرّد الأمراء سيوفهم وارتفعت الضجة فساق طفجي من الحلقة والأمراء وراءه إلى أن أدركه قراقوش الظاهريّ وضربه بسيف ألقاه عن فرسه إلى الأرض ميتًا ففرّ كرجي ثم أخذ وقُتل وحُمل طفجي في مزبلة من مزابل الحمّامات على حمار إلى مدرسته هذه فدفن بها وقبره هناك إلى اليوم. وكان قتله في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين وستمائة بعد خمسة أيام من قتل لاجين ومنكوتمر. المدرسة الجاولية هذه المدرسة بجوار الكبش فيما بين القاهرة ومصر أنشأها الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وعمل بها درسًا وصوفية ولها إلى هذه الأيام عدّة أوقاف. سنجر بن عبد الله الأمير علم الدين الجاولي كان مملوك جاولي أحد أمراء الملك الظاهر بيبرس وانتقل بعد موت الأمير جاولي إلى بيت قلاون وخرج في أيام الأشرف خليل بن قلاون إلى الكرك واستقر في جملة البحرية بها إلى أيام العادل كتبغا فحضر من عند نائب الكرك ومعه حوائجخاناه فرفعه كتبغا وأقامه على الخوشخاناه السلطانية وصحب الأمير سلار وواخاه فتقدّم في الخدمة وبقي أستادارًا صغيرًا في أيام بيبرس وسلار فصار يدخل على السلطان الملك الناصر ويخرج ويراعي مصالحه في أمر الطعام ويتقرّب إليه فلما حضر من الكرك جهزه إلى غزة نائبًا في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبعمائة عوضًا عن الأمير سيف الدين قطلو أقتمر عبد الخالق بعد إمساكه وأضاف إليه مع غزة الساحل والقدس وبلد الخليل وجبل نابلس وأعطاه إقطاعًا كبيرًا بحيث كان للواحد من مماليكه إقطاع يعمل عشرين ألفًا وخمسة وعشرين ألفًا وعمل نيابة غزة على القالب الجائر إلى أن وقعت بينه وبين الأمير تنكز نائب الشام بسبب دار كانت له تجاه جامع تنكز خارج دمشق من شمالها أراد تنكز أن يبتاعها منه فأبى عليه فكتب فيه إلى الملك الناصر محمد بن قلاون فأمسكه في ثامن عشري شعبان سنة عشرين وسبعمائة واعتقله نحوًا من ثمان سنين ثم أفرج عنه في سنة تسع وعشرين وأعطاه أمرة أربعين ثم بعد مدّة أعطاه أمرة مائة وقدمه على ألف وجعله من أمراء المشورة فلم يزل على هذاإلى أن مات الملك الناصر فتولى غسله ودفنه. فلما ولي الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاون سلطنة مصر أخرجه إلى نيابة حماه فأقام بها مدّة ثلاثة أشهر ثم نقله إلى نيابة غزة فحضر إليها وأقام بها نحو ثلاثة أشهر أيضًا ثم أحضره إلى القاهرة وقرّره على ما كان عليه وولى نظر المارستان بعد نائب الكرك عندما أخرج إلى نيابة طرابلس ثم توجه لحصار الناصر أحمد بن محمد بن قلاون وهو ممتنع في الكرك فأشرف عليه في بعض الأيام الناصر أحمد من قلعة الكرك وسبه وشيخه فقال له الجاوليّ: نعم أنا شيخ نحس ولكن الساعَةَ ترى حالك مع الشيخ النحس ونقل المنجنيق إلى مكان يعرفه ورمى به فلم يخطىء القلعة وهدم منها جانبًا وطلع بالعسكر وأمسك أحمد وذبحه صبرًا. وبعث برأسه إلى الصالح إسماعيل وعاد إلى مصر فلم يزل على حاله إلى أن مات في منزله بالكبش يوم الخميس تاسع رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة ودفن بمدرسته وكانت جنازته حافلة إلى الغاية. قد سمع الحديث رروى وصنف شرحًا كبيرًا على مسند الشافعيّ رحمه اللّه وأفتى في آخر عمره على مذهب الشافعيّ وكتب خطه على فتاوى عديدة وكان خبيرًا بالأمور عارفًا بسياسة الملك كفوًا لما وليه من النيابات وغيرها لا يزال يذكر أصحابه في غيبتهم عنه ويكرمهم إذا حضروا عنده وانتفع به جماعة من الكتاب والعلماء والأكابر وله من الاَثار الجميلة الفاضلة جامع بمدينة غزة في غاية الحسن وله بها أيضًا حمّام مليح ومدرسة للفقهاء الشافعية وخان للسبيل وهو الذي مدّن غزة وبنى بها أيضًا مارستانًا ووقف عليه عن الملك الناصر أوقافًا جليلة وجعل نظره لنواب غزة وعمر بها أيضًا الميدان والقصر وبنى ببلد الخليل عليه السلام جامعًا سقفه منه حجر نقر وعمل الخان العظيم بقاقون والخان بقرية الكثيب والقناطر بغابة أرسوف وخان رسلان في حمراء بيسان ودارًا بالقرب من باب النصر داخل القاهرة ودارًا بجوار مدرسته على الكبش وسائر عمائره ظريفة أنيقة محكمة متقنة مليحة وكان ينتمي إلى الأمير سلار ويجل ذكره. المدرسة الفارقانية هذه المدرسة خارج باب زويلة من القاهرة فيما بين حدرة البقرو صليبة جامع ابن طولون وهي الاَن بجوار حمام الفارقانيّ تجاه البندقدارية بناها والحمام المجاور لها الأمير ركن الدين بيبرس الفارقانيّ وهو غير الفارقانيّ المنسوب إليه المدرسة الفارقانية بحارة الوزيرية من القاهرة. المدرسة البشيرية هذه المدرسة خارج القاهرة بحكر الخازن المطل على بركة الفيل كان موضعهامسجدًا يُعرف بمسجد سنقر السعديّ الذي بنى المدرسة السعدية فهدمه الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجمدار الناصريّ وبنى موضعه هذه المدرسة في سنة إحدى وستين وسبعمائة وجعل بها خزانة كتب وهي من المدارس اللطيفة. المدرسة المهمندارية هذه المدرسة خارج باب زويلة فيما بين جامع الصالح وقلعة الجبل يُعرف خطها اليوم بخط جامع الماردانيّ خارج الدرب الأحمر وهي تجاه مصلّى الأموات على يُمنة من سلك من الدرب الأحمر طالبًا جامع الماردانيّ ولها باب آخر في حارة اليانسية بناها الأمير شهاب الدين أحمد بن أقوش العزيزيّ المهمندار ونقيب الجيوش في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وجعلها مدرسة. وخانقاه وجعل طلبة درسها من الفقهاء الحنفية وبنى إلى جانبها القيسارية والربع الموجودين الآن. مدرسة ألجاي هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من قلعة الجبل كان موضعها وما حولها مقبرة ويُعرف الآن خطها بخط سويقة العزي أنشأها الأمير الكبير سيف الدين الجاي في سنة ثمان وستين وسبعمائة وجعل بها درسًا للفقهاء الشافعية ودرسًا للفقهاء الحنفية وخزانة كتب وأقام بها منبرًا يخطب عليه يوم الجمعة وهي من المدارس المعتبرة الجليلة ودرّس بها شيخنا جلال الدين البنانيّ الحنفي وكانت سكنه. ألجاي بن عبد اللّه اليوسفيّ الأمير سيف الدين تنقل في الخدم حتى صار من جملة الأمراء بديار مصر فلما أقام الأمير الأستدمر الناصريّ بأمر الدولة بعد قتل الأمير يلبغا الخاصكي العمريّ في شوّال سنة ثمان وستين وسبعمائة قبض على الجاي في عدّة من الأمراء وقيدهم وبعث بهم إلى الإسكندرية فسجنوا إلى عاشر صفر سنة تسع وستين فأفرج الملك الأشرف شعبان بن حسين عنه وأعطاه أمرة مائة وتقدمة ألف وجعله أمير سلاح برّاني ثم جعله أمير سلاح أتابك العساكر وناظر المارستان المنصوريّ عوضًا عن الأمير منكلي بغا الشمسيّ في سنة أربع وسبعين وسبعمائة وتزوّج بخوند بركة أم السلطان الملك الأشرف فعظم قدره واشتهر ذكره وتحكم في الدولة تحكمًا زائدًا إلى يوم الثلاثاء سادس المحرّم سنة خمس وسبعين وسبعمائة فركب يريد محاربة السلطان بسبب طلبه ميراث أمّ السلطان بعد موتها فركب السلطان وأمراؤه وبات الفريقان ليلة الأربعاء على الاستعداد للقتال إلى بكرة نهار الأربعاء تواقع الجاي مع أمراء السلطان إحدى عشرة وقعة انكسر في آخرها الجاي وفرّ إلى جهة بركة الحبش وصعد من الجبل من عند الجبل الأحمر إلى قبة النصر ووقف هناك فاشتدّ على السلطان فبعث إليه خلعة بنيابة حماه فقال لا أتوجه إلاّومعي مماليكي كلهم وجميع أموالي فلم يوافقه السلطان على ذلك وبات الفريقان على الحرب فانسلّ أكثر مماليك الجاي في الليل إلى السلطان وعندما طلع النهار يوم الخميس بعث السلطان عساكره لمحاربة الجاي بقبة النصر فلم يقاتلهم وولى منهزمًا والطلب وراءه إلى ناحية الخرقانية بشاطيء النيل قريبًا من قليوب فتحير وقد أدركه العسكر فالقى نفسه بفرسه في البحر يريد النجاة إلى البر الغربيّ فغرق بفرسه. ثم خلص الفرس وهلك الجاي فوقع النداء بالقاهرة وظواهرها على إحضار مماليكه فأمسك منهم جماعة وبعث السلطان الغطاسين إلى البحر تتطلبه فتبعوه حتى أخرجوه إلى البرّ في يوم الجمعة تاسع المحرّم سنة خمس وسبعين وسبعمائة فطمل في تابوت على لباد أحمر إلى مدرسته هذه وغسل وكفن ودفن بها وكان مهابًا جبارًا عسوفًا عتيًا تحدثَ في الأوقاف فشدّد على الفقهاء وأهان جماعة منهم وكان معروفًا بالإقدام والشجاعة. مدرسة أمّ السلطان هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من قلعة الجبل يُعرف خطها الاَن بالتبانة وموضعها كان قديمًا مقبرة لأهل القاهرة أنشأتها الست الجليلة الكبرى بركة أمّ السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة وعملت بها درسًا للشافعية ودرسًا للحنفيهّ وعلى بابها حوض ماه للسبيل. وهي من المدارس الجليلة وفيها دفن ابنها الملك الأشرف بعد قتله. بركة: الست الجليلة خوند أم الملك الأشرف شعبان بن حسين كانت أمة مولدة فلما أقيم ابنها في مملكة مصر عظم شأنها وحجت في سنة سبعين وسبعمائة بتجمل كثير وبَرَج زائد وعلى محفتها العصائب السلطانية والكؤسات تدق معها وسار في خدمتها من الأمراء المقدّمين: بشتاك العمريّ رأس نوبة وبهادر الجماليّ ومائة مملوك من المماليك السلطانية أرباب الوظائف ومن جملة ما كان معها قطار جمال محملة محائر قد زرع فيها البقل والخضرارات إلى غير ذلك مما يجل وصفه فلما عادت في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة خرج السلطان بعساكره إلى لقائها وسار إلى البويب في سادس عشر المحرّم وتّزوّجت بالأمير الكبير الجاي اليوسفيّ وبها طال واستطال ماتت في ثامن عشر ذي القعدة سنة أربع وسبعين وسبعمائة وكانت خيرة عفيفة لها برّ كثير ومعروف معروف تحدّث الناس بحجتها عدّة سنين لما كان لها من الأفعال الجميلة في تلك المشاهد الكريمة وكان لها اعتقاد في أهل الخير ومحبة في الصالحين وقبرها موجود بقبهَ هذه المدرسهّ وأسف السلطان على فقدها ووجد وجدًا كبيرًا لكثرة حبه لها واتفق أنها لما ماتت أنشد الأديب شهاب الدين أحمد بن يحيى الأعرج السعدي: في ثامن العشرين من ذي قعدَة كانت صبيحةَ موتِ أمُّ الأشرفِ. فالله يرحَمُهاويُعظِمُ أجره ويكون في عاشورِموت اليوسفي. فكان كما قال وغرق الجاي اليوسفي كما تقدم ذكره في يوم عاشوراء. المدرسة الأيتمشية هذه المدرسة خارج القاهرة داخل باب الوزير تحت قلعة الجبل برأس التبانة أنشأها الأمير الكبير سيف الدين ايتمش البجاسيّ ثم الظاهري في سنة خمس وثمانين وسبعمائة وجعل بها درس فقه للحنفية وبنى بجانبها فندقًا كبيرًا يعلوه ربع ومن ورائها خارج باب الوزير حوض ماء للسبيل وربعًا وهي مدرسة ظريفة. ايتمش بن عبد الله الأمير الكبير سيف الدين البجاسي ثم الظاهريّ كان أحد المماليك اليلبغاوية. المدرسة المجدية الخليلية هذه المدرسة بمصر يُعرف موضعها بدرب البلاد عمرها الشيخ الإمام مجد الدين أبو محمد عبد العزيز بن الشيخ الإمام أمين الدين أبي عليّ الحسين بن الحسن بن إبراهيم الخليلي الداريّ فتمت في شهر ذي الحجة سنة ثلاث وستين وستمائة وقرر فيها مدرسًا شافعيًا ومعيدين وعشرين نفرًا طلبة وإمامًا راتبًا ومؤذنًا وقيمًا لكنسها وفرشها ووقود مصابيحها. وإدارة ساقيتها وأجرى الماء إلى فسقيتها ووقف عليها غيطًا بناحية بارنبار من أعمال المزاحميتين وبستانًا بمحلة الأمير من المزاحميتين بالغربية وغيطًا بناحية نطوبس وربع غيط بظاهر ثغر رشيد وبستانًا ونصف بستان بناحية بلقس ورباعًا بمدينة مصر. ومجد الدين هذا هو والد الصاحب الوزير فخر الدين عمر بن الخليليّ ودرس بهذه المدرسة الصاحب فخر الدين إلى حين وفاته وتوفي مجد الدين بدمشق في ثالث عشر ربيع الآخر سنة ثمانين وستمائة وكان المدرسة الناصرية بالقرافهّ هذه المدرسة بجوار قبة الإمام محمد بن إدريس الشافعيّ رضي اللّه عنه من قرافة مصر أنشأها السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ورتب بها مدرّسًا يدرّس الفقه على مذهب الشافعيّ وجعل له في كل شهر من المعلوم عن التدريس أربعين دينارًا معاملة صرف كل دينار ثلاثة عشر درهمًا وثلث درهم وعن معلوم النظر في أوقاف المدرسة عشرة دنانير ورتب له من الخبز في كل يوم ستين رطلًا بالمصريّ وراويتين من ماء النيل وجعل فيها معيدين وعدة من الطلبة ووقف عليها حمّامًا بجوارها وفرنًا تجاهها وحوانيت بظاهرها والجزيرة التي يقال لها جزيرة الفيل ببحر النيل خارج القاهرة وولى تدريسها جماعة من الأكابر الأعيان ثم خلت من مدرّس ثلاثين سنة واكتفى فيها بالمعيدين وهم عشرة أنفس فلما كانت سنة ثمان وسبعين وستمائة ولى تدريسها قاضي القضاة تقيّ الدين محمد بن رزين الحمويّ بعد عزله من وظيفة القضاء وقرّر له نصف المعلوم. فلما مات وليها الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد بربع المعلوم فلما ولي الصاحب برهان الدين الخضر السنجاريّ التدريس قرّر له المعلوم الشاهد به كتاب الوقف. هذه المدرسة بمدينة مصر في خط السيوريين أنشأها كبير التجار ناصر الدين محمد بن مُسَلّم بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد اللام البالسيّ الأصل ابن بنت كبير التجار شمس الدين محمد بن بَسِير بفتح الباء أوّل الحروف وكسر السين المهملة ثم ياء آخر الحروف بعدها راء مات في سنة ست وسبعين وسبعمائة قبل أن تتمّ. فوصى بتكملتها وأفرد لها مالًا ووقف عليها دورًا وأرضًا بناحية قليوب وشرط أن يكون فيها مدرس مالكيّ ومدرّس شافعيّ ومؤدّب أطفال وغير ذلك فكملها مولاه ووصيه الكبير كافور الخصيّ الروميّ بعد وفاة استاذه وهي الاَن عامرة وبلغ ابن مُسَلَّمٍ هذا من وفور المال وعظم السعادة ما لم يبلغه أحد ممن أدركناه بحيث أنه جاء نصيب أحد أولاده نحو مائتي ألف دينار مصرية وكان كثير الصدقات على الفقراء مقترًا على نفسه إلى الغاية وله أيضًا مطهرة عظيمة بالقرب من جامع عمرو بن العاص ونفعها كبير وله أيضًا دار جليلة على ساحل النيل بمصر وكان أبوه تاجرًا سفارًا بعدما كان حمالًا فصاهر ابن بسير ورزق محمدًا هذا من ابنته فنشأ على صيانة ورزق الحظ الوافر في التجارة وفي العبيد فكان يبعث أحدهم بمال عظيم إلى الهند ويبعث آخر بمثل ذلك إلى بلاد التكرور ويبعث آخر إلى بلاد الحبشة ويبعث عدّة اّخرين إلى عدّة جهات من الأرض فما منهم من يعود إلاّ وقد تضاعفت فوائد ماله أضعافًا مضاعفة. هذه المدرسة خارج باب زويلة بالقرب من باب حارة الهلالية بخط القماحين كان موضعها في القديم من حقوق حارة المنصورة أوصى بعمارتها الأمير الكبير سيف الدين اينال اليوسفيّ أحد المماليك اليلبغاوية. فابتدأ بعملها في سنة أربع وتسعين وفرغت في سنة خمس وتسعين وسبعمائة ولم يعمل فيها سوى قرّاء يتناوبون قراءة القرآن على قبره فإنه لما مات في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة دفن خارج باب النصر حتى انتهت عمارة هذه المدرسة فنقل إليها ودفن فيها. واينال هذا ولي نيابة حلب وصار في آخر عمره أتابك العساكر بديار مصر حتى مات وكانت جنازته كثيرة الجمع مشى فيها السلطان الملك الظاهر برقوق والعساكر. مدرسة الأمير جمال الدين الأستادار هذه المدرسة برحبة باب العيد من القاهرة كان موضعها قيسارية يعلوها طباق كلها وقف فأخذها وردمها وابتدأ بشق الأساس في يوم السبت خامس جمادى الأولى سنهّ عشر وثمانمائة وجمع لها الآلات من الأحجار واّلأخشاب والرخام وغير ذلك وكان بمدرسة الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون التي كانت بالصوة تجاه الطبلخاناه من قلعة الجبل بقية من داخلها فيها شبابيك من نحاس مكفت بالذهب والفضة وأبواب مصفحة بالنحاس البديع الصنعة المكفت ومن المصاحف والكتب في الحديث والفقه وغيره من أنواع العلوم جملة فاشترى ذلك من الملك الصالح المنصور حاجي بن الأشرف بمبلغ ستمائة دينار وكانت قيمتها عشرات أمثال ذلك ونقلها إلى داره. وكان مما فيها عشرة مصاحف طول كل مصحف منها أربعة أشبار إلى خمسة في عرض يقرب من ذلك أحدها بخط ياقوت واَخر بخط ابن البوّاب وباقيها بخطوط منسوبة ولها جلود في غاية الحسن معمولة في أكياس الحرير الأطلس ومن الكتب النفيسة عشرة أحمال جميعها مكتوب في أوّله الإشهاد على الملك الأشرف بوقف ذلك ومقرّه في مدرسته. فلما كان يوم الخميس ثالث شهر رجب سنة إحدى عشرة وثمانمائة وقد انتهت عمارتها جمع بها الأمير جمال الدين القضاة والأعيان وأجلس الشيخ همام الدين محمد بن أحمد الخوارزميّ الشافعيّ على سجادة المشيخة وعمله شيخ التصوّف ومدرّس الشافعية ومدّ سماطًا جليلًا أكل عليه كلّ من حضر وملأ البركة التي توسط المدرسة ماء قد أذيب فيه سكر مزج بماء الليمون وكان يومًا مشهودًا وقرّ في تدريس الحنفية بدر الدين محمود بن محمد المعروف بالشيخ زاده الخرزيانيّ وفي تدريس المالكية شمس الدين محمد بن البساطيّ وفي تدريس الحنابلة فتح الدين أبا الفتح محمد بن نجم الدين محمد بن الباهليّ وفي تدريس الحديث النبويّ شهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر وفي تدريس التفسير شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن البلقينيّ. فكان يجلس من ذكرنا واحدًا بعد واحدِ في كل يوم إلى أن كان آخرهم شيخ التفسير وكان مسك الختام وما منهم إلاّ مَن يحضرمعه ويلبسه ما يليق به من الملابس الفاخرة وقرّر عند كلّ من المدرّسين الستة طائفة من الطلبة وأجرى لكل واحد ثلاثة أرطال من الخبز في كل يوم وثلاثين درهمًا فلوسًا في كل شهر وجعل لكل مدرّس ثلاثمائة درهم في كل شهر ورتب بها إمامًا وقومة ومؤذنين وفرّاشين ومباشرين و كثر من وَقْفِ الدور عليها وجعل فائض وقفها مصروفًا لذريته فجاءت في أحسن هندام وأتم قالب وأفخر زيّ وأبدع نظام إلا أنها وما فيها من الآلات وما وقف عليها أخذ من الناس غصبًا وعمل فيها الصناع بأبخس أجرة مع العسف الشديد. فلما قبض عليه السلطان وقتله في جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وثمانمائة واستولىعلى أمواله حَسَّنَ جماعة للسلطان أن يهدم هذه المدرسة ورغبوه في رخامها فإنه غاية في الحسن وأن يسترجع أوقافها فإن متحصلها كثير. فمال إلى ذلك وعزم عليه. فكرّه ذلك للسلطان الرئيس فتح الدين فتح الله كاتب السر واستشنع أن يهدم بيت بُني على اسم الله يُعلن فيه بالأذان خمس مرّات في اليوم والليلة وتقام به الصلوات الخمس في جماعة عديدة ويحضره في عصر كل يوم مائة وبضعة عشر رجلًا يقرؤون القرآن في وقت التصوف ويذكرون الله ويدعونه وتتحلق به الفقهاء لدرس تفسير القرآن الكريم وتفسير حديث رسول الله وفقه الأئمة الأربعة ويعلَّم فيه أيتام المسلمين كتاب الله عز وجلّ ويجري على هؤلاء المذكورين الأرزاق في كل يوم ومن المال في كل شهر ورأى أن إزالة مثل هذا وصمة في الدين فتجرّد له وما زال بالسلطان يرغًبه في إبقائها على أن يزال منها اسم جمال الدين وتنسب إليه فإنه من الفتن هدم مثلها. ونحو ذلك حتّى رجع إلى قوله وفوّض أمرها إليه فدبر ذلك أحسن تدبير. وهو أن موضع هذه المدرسة كان وقفًا على بعض الترب فاستبدل به جمال الدين أرضًا من جملة أراضي الخراج بالجيزة وحكم له قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم بصحة الاستبدال وهدم البناء وبنى موضعه هذه المدرسة وتسلم متولي موضعها الأرض المستبدل بها إلى أن قُتِلَ جمال الدين وأحيط بأمواله فدخل فيما أحيط به هذه الأرض المستبدل بها وادّعى السلطان أن جمال الدين افتأت عليه في أخذ هذه الأرض وأنه لم يأذن في بيعها من بيت المال فأفتى حينئذٍ محمد شمس الدين المدنيّ المالكيّ بأن بناء هذه المدرسة الذي وقفه جمال الدين على الأرض التي لم يملكها بوجه صحيح لا يصح وأنه باق على ملكه إلى حين موته فندب عند ذلك شهود القيمة إلى تقويم بناء المدرسة فقوّموها باثني عشر ألف دينار ذهبًا وأثبتوا محضر القيمة على بعض القضاة فحمل المبلغ إلى أولاد جمال الدين حتى تسلموه وباعوا بناء المدرسة للسلطان ثم استردّ السلطان منهم المبلغ المذكور وأشهد عليه أنه وقف أرض هذه المدرسة بعدما استبدل بها وحكم حاكم حنفيّ بصحة الاستبدال ثم وقف البناء الذي اشتراه وحُكم بصحته أيضًا ثم استدعى بكتاب وقف جمال الدين ولخصه ثم مزقه وجدّد كتاب وقف يتضمن جميع ما قرره جمال الدين في كتاب وقفه من أرباب الوظائف ومالهم من الخبز في كل يوم ومن المعلوم في كل شهر وأبطل ما كان لأولاد جمال الدين من فائض الوقف وأفرد لهذه المدرسة مما كان جمال الدين جعله وقفًا عليها عدة مواضع تقوم بكفاية مصروفها وزاد في أوقافها أرضًا بالجيزة وجعل ما بقي من أوقاف جمال الدين على هذه المدرسة بعضه وقفًا على أولاده وبعضه وقفًا على التربة التي أنشأها في قبة أبيه الملك الظاهر برقوق خارج باب النصر وحكم القضاة الأربعة بصحة هذا الكتاب بعدما حكموا بصحة كتاب وقف جمال الدين ثم حكموا ببطلانه ثم لما تم ذلك محى من هذه المدرسة اسم جمال الدين ورنكه وكتب اسم السلطان الملك الناصر فرج بدائر صحنها من أعلاه وعلى قناديلها وبسطها وسقوفها ثم نظر السلطان في كتبها العلمية الموقوفة بها فأقرّ منها جملة كتب بظاهر كل سفر منها فصل يتضمن وقف السلطان له وحمل كثير من كتبها إلى قلعة الجبل وصارت هذه ولم تزل على ذلك حتى قُتل الناصر وقدم الأمير شيخ إلى القاهرة واستولى على أمور الدولة فتوصل شمس الدين محمد أخو جمال الدين وزوج ابنته لشرف الدين أبي بكر بن العجميّ موقع الأستادار الأمير شيخ حتى أحضر قضاة القضاة وحكم الصدر عليّ بن الآدميّ قاضي القضاة الحنفيّ بردّ أوقاف جمال الدين إلى ورثته من غير استيفاء الشروط في الحكم بل تهوّر فيه وجازف. ولذلك أسباب منها: عناية الأمير شيخ بجمال الدين الأستادار فإنه لما انتقل إليه إقطاع الأمير بحاس بعد موت الملك الظاهر برقوق استقرّ جمال الدين استاداره كما كان أستادار بحاس فخدمه خدمة بالغة وخرج الأمير شيخ إلى بلاد الشام واستقر في نيابة طرابلس ثم في نيابة الشام وخدمة جمال الدين له ولحاشيته ومن يلوذ به مستمرّة وأرسل مرّة الأمير شيخ من دمشق بصدر الدين بن الأدمي المذكور في الرسالة إلى الملك الناصر وجمال الدين حينئذٍ عزيز مصر فأنزله وأكرمه وأنعم عليه وولاه قضاء الحنفية وكتابة السرّ بدمشق وأعاده إليه وما زال معتنيًا بأمور الأمير شيخ حتى أنه اتُهم بأنه قد مالأه على السلطان فقبض عليه السلطان الملك الناصر بسبب ذلك ونكبه فلما قُتِل الناصر واستولى الأمير شيخ على الأمور بديار مصر ولى قضاء الحنفية بديار مصر لصدر الدين عليّ بن الأدميّ المذكور وولى أستاداره بدر الدين حسن بن محب الدين الطرابلسيّ أستادار السلطان فخدم شرف الدين أبو بكر بن العجميّ زوج ابنة أخي جمال الدين عنده موقعًا وتمكن منه فأغراه بفتح الدين فتح الله كاتب السرّ حتى أثخن جراحه عند الملك المؤيد شيخ ونكبه بعدما تسلطن واستعان أيضًا بقاضي القضاة صدر الدين بن الأدميّ فإنه كان عشيره وصديقه من أيام جمال الدين ثم استمال ناصر الدين محمد بن البارزيّ موقع الأمير الكبير شيخ فقام الثلاثة مع شمس الدين أخي جمال الدين حتى أعيد إلى مشيخة خانكاه بيبرس وغيرها من الوظائف التي أخذت منه عندما قبض عليه الملك الناصر وعاقبه وتحدثوا مع الأمير الكبير في ردّ أوقاف جمال الدين إلى أخيه وأولاده فإن الناصر غصبها منهم وأخذ أموالهم وديارهم بظلمه إلى أن فقدوا القوت ونحوهذا من القول حتى حركوا منه حقدًا كامنًا على الناصر وعلمو منه عصبته لجمال الدين هذا وغرض القوم في الباطن تأخير فتح الدين والإيقاع به فإنه ثقل عليهم وجوده معهم فأمر عند ذلك الأمير الكبير بعقد مجلس حضره قضاة القضاة والأمراء وأهل الدولة عنده بالحراقة من باب السلسلة في يوم السبت تاسع عشري شهر رجب سنة خمس عشرة وتقدم أخو جمال الدين ليدّعي على فتح الدين فتح اللّه كاتب السرّ وكان قد علم بذلك ووكل بدر الدين حسنًا البردينيّ أحد نوّاب الشافعية في سماع الدعوى وردّ الأجوبة فعندما جلس البردينيّ للمحاكمة مع أخي جمال الدين نهره الأمير الكبير وأقامه وأمر بأن يكون فتح اللّه هو الذي يدّعى عليه فلم يجد بدًّامن جلوسه فما هو إلا أن ادّعى عليه أخو جمال الدين بأنه وضع يده على مدرسة أخيه جمال الدين وأوقافه بغير طريق فبادر قاضي القضاة صدر الدين عليّ بن الأدميّ الحنفي وحكم برفع يده وعود أوقاف جمال الدين ومدرسته إلى ما نص عليه جمال الدين ونفذ بقية القضاة حكمه وانفضوا على ذلك فاستولى أخو جمال الدين وصهره شرف الدين على حاصل كبير كان قد اجتمع بالمدرسة من فاضل ربعها ومن مال بعثه الملك الناصر إليها وفرّقوه حتى كتبوا كتابًا اخترعوه من عند أنفسهم جعلوه كتاب وقف المدرسة زادوا فيه أن جمال الدين اشترط النظر على المدرسة لأخيه شمس الدين المذكور وذريته إلى غير ذلك مما لفقوه بشهادة قوم استمالوهم فمالوا ثم أثبتوا هذا الكتاب على قاضي القضاة صدر الدين بن الآدميّ ونفذه بقية القضاة فاستمرّ الأمر على هذا البهتان المختلق والإفك المفترى مدّة ثم ثار بعض صوفية هذه المدرسة وأثبت محضرًا بأن النظر لكاتب السرّ فلما ثبتَ ذلك نُزعت يد أخي جمال الدين عن التصرّف في المدرسة وتولى نظرها ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السرّ واستمر الأمر على هذا فكانت قصة هذه المدرسة من أعجب ما سُمه به في تناقض القضاة وحكمهم بإبطال ما صححوه ثم حكمهم بتصحيح ما أبطلوه كل ذلك ميلًا مع الجاه وحرصًا على بقاء رياستهم ستُتكتب شهادتُهم ويسألون.
هذه المدرسة خارج القاهرة بجوار جامع الأمير أبي العباس أحمد بن طولون فيمابينه وبين قلعة الجبل كان موضعها قديمًا من جملة قطائع ابن طولون ثم صار عدّة مساكن فأخذها الأمير سيف الدين صرغتمش الناصريّ رأس نوبة النوب وهدمها وابتدأ في بناء المدرسة يوم الخميس من شهر رمضان سنة ست وخمسين وسبعمائة وانتهت في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وقد جاءت من أبدع المباني وأجلها وأحسنها قالبًا وأبهجها منظرًا فركب الأمير صرغتمش في يوم الثلاثاء تاسعه وحضر إليه الأمير سيف الدين شيخو العمريّ مدبر الدولة والأمير طاشتمر القاسميّ حاجب الحجاب والأمير توقتاي الدوادار وعامة أمراء الدولة وقضاة القضاة الأربعة ومشايخ العلم ورتب مدرّس الفقه بها قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر العميد بن العميد أمير كازي الاتقانيّ فألقى القوام الدرس ثم مدّ سماط جليل بالهمة الملوكية وملئت البركة التي بها سكرًا قد أذيب بالماء فأكل الناس وشربوا وأبيح ما بقي من ذلك للعامة فانتهبوه وجعل الأمير صرغتمش هذه المدرسة وقفًا على الفقهاء الحنفية الآفاقية ورتب بها درسًا للحديث النبويّ وأجرى لهم جميعًا المعاليم من وقفٍ رتّبه لهم وقال أدباء العصر فيها شعرًا كثيرًا. فقال العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفيّ: ليهنِكَ يا صرغتمشُ ما بنيتَه لآخِراكَ في دنياكَ من حُسن بنيانِ. وخلع في هذا اليوم على القوام خلعة سنية وأركبه بغلة رائعة وأجازه بعشرة آلاف درهم على أبيات مدحه بها في غاية السماجة وهي: أرأيتم من حازَ الرُتبا وأتى قربًا ونفى ريبا. فبدا علمًا وسما كرمًا وما قدُمًا ولقد غَلبا. بتُقىً وهدىً وندًا وجدا فعدا وسدى وجبى وحبا. بدى سننًا أحيى سننًا حلّى زمنًا عندَالأدبا. هذا صرغتمش قد سكَبَتْ أيامَ إمارتِهِ السُحُبا. وأزالَ الجدبُ إلى خصبٍ والضنكُ إلى رغد قلبا. بإعانَةِ جبَّارِ ربي ذي العرش وقد بذل النشَبا. مَلِكٌ فطنٌ ركن لسِن حسن بسنٌ ربى الأدبا. لك الكُبَرا ملك الأمرا ملكٌ العُلما ملكُ الأدبا. بحرطامَ غيث هامَ قدرسامَ حامى الغُربا. ببشاشتِهِ وسماحَتِه وحماسَتِهِ جلّى الكُربا. نعمَ المأوى مصرٌ لما شملتْ قومًا نبلًا نُجبا ًفنمتْ نورًا وسمت نورًا وعلت دورًا وأرتْ طربا. نسقتْ دُررًا وسقتْ دُررًا ودعتْ غررًا وحوتْ أدبا. وخطابتُهُ افتخرت وعلتْ وسمتْ وزرَت وحوتْ أدبا. جدّد درسًا ثم اجن جنَى منها ومُنى فمعى طلبا. مَن نازَعَني نسبي علنًا فارابَ لنانعمت نسبا. كنون أبا لحنيفةِ ث مّ قوام الدين بدا لقبا. عِشْ في رحبٍ لترى عجبا من منتجِبِ عَجِبِ عجبا. صرغتمش: الناصري الأمير سيف الدين رأس نوبة جلبه الخواجا الصوّاف في سنة سبع سبع وثلاثين وسبعمائة فاشتراه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون بمائتي ألف درهم فضة ثمنها يومئذِ نحو أربعة آلاف مثقال ذهبًا وخلع على الخواجا تشريفًا كاملًا بحياصة ذهب وكتب له توقيعًا بمسامحة مائة ألف درهم من متجره فلم يعبأ به السلطان وصار في أيامه من جملة الجمدارية وحُكيَ عن القاضي شرف الدين عبد الوهاب ناظر الخاص أنّ السلطان أنعم على صرغتمس هذا بعشر طاقات أديم طائفيّ فلما جاء إلى النشو تردّد إليه مرارًا حتى دفعها إليه ولم يزل خامل الذكر إلى أن كانت أيام المظفر حاجي بن محمد بن قلاون فبعثه مسفرًا مع الأمير فخر الدين إياز السلاح دار لما استقرّ في نيابة حلب فلما عاد من حلب ترقى في الخدمة وتمكن عند المظفر وتوجه في خدمة الصالح بن محمد بن قلاون إلى دمشق في نوبة يلبغاروس وصار السلطان يرجع إلى رأيه فلما عاد من دمشق أمسك الوزير علم الدين عبد الله بن زنبور بغير أمر السلطان وأخذ أمواله وعارض في أمره الأمير شيخو والأمير طاز ومن حينئذِ عظم ولم يزل حتى خُلع السلطان الملك الصالح وأعيد الناصر حسن بن محمد بن قلاون فلما أخرج الأمير شيخو انفرد صرغتمش بتدبير أمور المملكة وفخم قدره ونفذت كلمته فعزل قضاة مصر والشام وغيّر النوّاب بالمماليك والسلطان يحقد عليه إلى أن أمسكه في العشرين من شهر رمضان سنة تسع وخمسين وقبض معه على الأمير طشتمر القاسميّ حاجب الحجاب والأمير ملكتمر المحمديّ وجماعة وحملهم إلى الإسكندرية فسجنوا بها وبها مات صرغتمش بعد شهرين واثني عشر يومًا من سجنه في ذي الحجة سنة تسع وخمسين وسبعمائة. وكان مليح الصورة جميل الهيئة يقرأ القرآن الكريم ويشارك في الفقه على مذهب الحنفية ويبالغ في التعصب لمذهبه ويقرّب العجم ويكرمهم ويجلهم إجلالًا زائدًا ويشدو طرفًا من النحو وكانت أخلاقه شرسة ونفسه قوية فإذا بحث في الفقه أو اللغة اشتط ولما تحدّث في الأوقات وفي البريد خاف الناس منه فلم يكن أحد يركب خيل البريد إلاّ بمرسومه ومنع كل من يركب البريد أن يحمل معه قماشًا ودراهم على خيل البريد واشتدّ في أمر الأوقاف فعمرت في مباشرته ولما قُبض عليه أخذ السلطان أمواله وكانت شيئًا كثيرًا يكل عنه الوصف.
|